عقبة ابن نافع الفهري - مولده و طفولته -




مولده وطفولته: 


ولد عقبة بمكة المكرمة بسنة قبل الهجرة النبوية عام621م. أسلم مع أبيه نافع يوم فتح مكة (السنة الثامنة للهجرة) وعمره يومئذ تسع سنوات. فأغلب المؤرخين الذين كتبوا عن عقبة يجمعون على أنه ولد بسنة قبل الهجرة أمثال سيف الدين الكاتب، اللواء الركن شيث خطاب، توفيق الحكيم، بسام العسلي، محمد قجة، عبد المجيد حبة، صلاح مؤيد العقبي وغيرهم. ما عدى الدكتور(موسى لقبال رحمة الله عليه المتوفي عام 2009م) الذي أرجع تاريخ ميلاد عقبة بسنة قبل الوفاة. أي أن عقبة ولد بسنة قبل وفاة الرسول (ص). وهذا لا يصح بحجة أنه لو كان عقبة ولد بسنة قبل الوفاة أي سنة 630م فكل المؤرخين يؤكدون مشاركة عقبة في فتوح (مصر) بقيادة عمرو بن العاص سنة18 أو20هـ ومنهم (البلاذري) بسنده في كتاب (فتوح البلدان) ص238 يقول:« لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل ليطأهم. فبعث عقبة بن نافع الفهري وكان نافع أخا للعاص لأمه. فدخلت خيولهم أرض النوبة (السودان) كما تدخل صوائف الروم، فلقي المسلمون بالنوبة قتالا شديدا لقد لاقوهم ورشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم، فانصرفوا بجراحات كثيرة، وحدق مفقوءة، فسموا رماة الحدق » اهـ. وتجمع المصادر أن عمرو بن العاص بعد فتحه لمصر بسنة أي عام 21 هـ كلف عقبة بمهمة فتح النوبة وفتح (زويلة) في نفس السنة. ثم بعدها في 22هـ كلفه بمهمة فتح برقة (انطابلس) . فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف لفتى لم يتجاوز11 عاما من عمره يقود الجيش لفتح الأمصار؟ هذا إن أخذنا بما ذهب إليه الدكتور (لقبال). وأما إذا أخذنا بالحساب الراجح وهو أن عقبة مولود بسنة قبل الهجرة ففي تلك الفتوح يكون قد بلغ من عمره 21 سنة وهذا أمر معقول. بالإضافة فإن المؤرخين يؤكدون على أنه لو لم يكن عقبة صحابيا لما ولاه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إمارة برقة بعد فتحها حين أخبره أمير مصر عمرو بأنه ولى عليها عُقبة بن نافع فوافق الخليفة. الذي لا يرضى بأن يقود تابعي جيشا فيه الصحابة أو يتولى تابعي الإمارة في حين الصحابة على قيد الحياة. وعلى كل فهو صحابي بالمولد. حتى وإن لم يصاحب أو يجالس الرسول (ص) فقد عاش معه ورآه. كتب الشيخ عبد المجيد حبة يقول: (وأغرب ما جاء في هذا الباب، مقال للدكتور عمر الدسوقي نشره بالعدد 7 من مجلة ( منبر الإسلام) عام 1963م تحت عنوان عقبة بن نافع قال:« وكان ذا همة طموح تنبأ له الرسول (ص) بأنه سيكون مجاب الدعوة وباركه ودعا له. وقد روى عن النبي (ص) بعض الأحاديث رواها عن أنس وغيره ». فالشيخ ابن حبة يؤكد أن عقبة من مواليد سنة قبل الهجرة وأن ما ذهب إليه المسعودي الباجي على أنه ولد بسنة قبل الوفاة. فهذا لا يصح فليس من المعقول أن يشهد فتح مصر وهو ابن عشر ويتولى قيادة جيش وهو ابن إحدى أو إثنتي عشر سنة وعلى كل حال فهو صحابي بالمولد بل هو آخر من ولي المغرب من الصحابة. شاء تعالى أن يولد عقبة بمكة المكرمة وقد شقت الدعوة الإسلامية شوطا في الإنتشار الواسع والسريع لتطهير مجتمع الجزيرة العربية من رجس الشرك والوثنية. وفي وسط هذا المجتمع الإسلامي الجديد شبّ عقبة وترعرع على الطهر والورع والعفاف. وهي صفات بقية ملازمة له طيلة حياته الجهادية. وما كان يمتاز به من عزة النفس وبطولة وإقدام ونزاهة وصرامة في المواقف. وصفه (اللواء شيث خطاب) قائلا :« لقد كان عقبة مثالا حيا للسلف الصالح خلقا و ورعا وشجاعة وعزما » اهـ إلى جانب ذلك كان مخلصا لربه ودينه ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أنه نشأ نشأة أبناء السادة الأبطال ( آل فهر) على الفروسية والشجاعة والقتال. يجمع الكتاب على أنه شارك في فتح مصر مع أبيه وأخيه (عبد الله) وقد كانت تلك بداية عهده بالحروب و أولى محاولاته في الميدان العسكري، غير أنه رغم هذا إستطاع أن يلعب دورا بطوليا في معارك فتوح مصر ويبدي من ضروب الكفاءة الحربية والشجاعة ما لفت إليه الأنظار وجعله محل ثقة القائد عمرو بن العاص. وفي مصر أسس عمرو مدينته (الفسطاط / إمبابة حاليا) سنة639م. حيث شيد نافع أبوعقبة دارا لأهله بها. كان القائد عمرو ابن العاص السهمي هو من تفطن لمواهب عقبة العسكرية فبعث به على رأس كتيبة من جند الإسلام سنة21هـ 643م إلى (زويلة) في قلب الصحراء الليبية فافتتحها صلحا وفي ذلك كتب عمرو رسالة إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع المغرب (يعني غرب مصر) وأبلغه بأن ما بين زويلة وبرقة حسنة طاعتهم فأقر معاهدتهم بالجزية. (البلاذري / فتوح البلدان ص 224) ثم ما لبث ابن العاص أن بعث بعقبة في السنة ذاتها إلى النوبة فكان له الفضل في تأمين الحدود الغربية الجنوبية لمصر العربية وتحرير السكان من ظلم الطغاة الروم المتجبرين وهدايتهم إلى الصراط المستقيم. وبعد ذلك أرسله في بعثة وحملة استطلاعية إلى ناحية (برقة) في سنة 22هـ وكانت الغاية منها هي تزويد القائد عمرو بتقارير مفصلة عن حالة البلاد والعباد ومعرفة ما للعدو من قوة. وكانت تلك المناطق آهلة ببطون من قبيلة (لواتة/البترية) الأمازيغية كانوا من أشد القبائل شجاعة وبأسا. وكان إحتكاكه بمجموعة العشائر عرّفه عن قرب كيف أن هذه القبيلة ناضلت طويلا ضد الرومان والوندال والبيزنطيين. وما بينهم من أحقاد دفينة. فكل هذه المعلومات بعث بها عقبة إلى قائده عمرو في رسالة جاء فيها: (بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد السلام عليك يا أمير مصر ورحمة الله تعالى وبركاته. إنني تبينت من خلال إختلاطي بأهل هذه البلاد أنهم يكرهون الروم ويمقتون الحكم البيزنطي لأن الحكام الروم فرضوا عليهم ضرائب حتى باع البربر أبناءهم لدفعها وأن البربر العاملين في القصور والمزارع للروم لا يتقاضون إلا ّ أجرا ضئيلا و أن القبائل لا تحس بالأمن والاستقرار. إن أهل برقة وعددهم كبير يتصفون بالخلق الطيب والنفس السمحة وينظرون للإسلام من خلال ما سمعوه عنه على أنه المنقذ الوحيد لهم من سيطرة الروم. ولقد عاهدني زعماء برقة على دخول الإسلام ووعدوني بأنهم سيعلنون إسلامهم في أول لحظة تطأ فيها أقدام جيش المسلمين أرض مدينتهم فحبذا لو عجلت بالزحف على هذه البلاد حتى ينصرك الله تعالى على الروم هنا كما نصرك عليهم في الشام ومصر) اهـ. فتوجه جيش الإسلام نحو برقة بقيادة عمرو وافتتحها صلحا. وبرقة هذه هي المعروفة حاليا بـ(المرج) في منطقة الجبل الأخضر بليبيا كانت تسمى بالإغريقية الرومية (بنتا بوليس) أي المدن الخمسة وهي عاصمة إقليم (قورينا) وتضم كل من قوريني (شحات) وأبولينا (سوسه) وبرقة (المرج) وتوخير- طوكرة (الدرسية) ويوسيبرديس- برنيق (بنغازي). ومن المؤكد أن الأمازيغ أرادوا التخلص من الحكم البيزنطي الجائر خصوصا بعدما وصلتهم أخبار جيوش الفتح الإسلامي في الشام ومصر وما أظهروه من بطولة وشجاعة في محاربة الأعداء. وما عرف عن المسلمين من عدل في الحكم ورحمة بالرعية ومساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، وإحترام كبير لأهل الديانات الأخرى. مما جعلهم يتطلعون إلى الخلاص من الروم المستبدين. وفي سنة 23هـ643م حين وصل القائد عمرو إلى برقة فقسم الجيش إلى قسمين، قسم قاده بنفسه توجه به صوب (طرابلس) على الطريق الساحلي نحو مدينة (سرت) ففتحها بسهولة، ثم مدينة (لبدة) قبل طرابلس بـ90 كلم فاستسلم أهلها، و أما طرابلس فكانت معقلا رومانيا هاما و قد أغلق أهلها أبواب حصنهم فضرب عليها المسلمون حصارا بريا من ثلاث جهات ودام حصارها شهرا، ثم دخلوها في أيام المد والجزر حين وجدوا ثغرة من جهة البحر و أهلها غافلون. و أما القسم الثاني من الجيش فتوجه نحو الأقاليم الصحراوية بقيادة بطلنا الشاب عقبة عبر الطريق الصحراوي وهي عبارة عن مجموعات متجاورة من الواحات و الغابات الكثيفة التي تسكنها قبائل لواته ونفوسه ونفزاوة وهوارة حيث بلاد زويلة و ودان.

شاركها !


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

جميع الحقوق محفوظة لمدونة حوحو للمعلوميات